الاثنين، 13 فبراير 2017

بعد 600 محاولة اغتيال.. "كاسترو" يموت "موتة ربنا"

كتبت: حنان فوزي الميهي

"وصلت لاستنتاج ربما يكون متأخرًا قليلاً، وهو أن الخطب يجب أن تكون قصيرة" من المفارقات الطريفة أن تلك العبارة قالها "فيدل كاسترو" ذلك الرجل الذي قد يراه البعض ما هو إلا قائدًا مفوهًا، عاش حياته السياسية لأكثر من نصف قرن على الخطب والشعارات، وهذا ما دعاه لأن يقول لنا عصارة تجربته في الحياة.

قد يراه البعض مجرد مختل ترك عائلته الأرستقراطية ليدافع عن حقوق الفقراء في كل مكان، أو مناضل عاش بقضيته وآمن بها حد القداسة. أو حاكم بلد لنصف قرن، أو  شخصٍ غامض. ولكن من هو كاسترو؟
فيدل كاسترو

إنه الثوري الذي قاتل للوصول إلى سدة الحكم منذ أكثر من نصف قرن، وتنازل عنه بزهدٍ منقطع النظير، ليعلن للعالم كله أنه اكتفى ولم يعد يريد الحكم بعد الآن، إنه الخطيب الذي أشبع شعبه خطبًا عن الشيوعية ليل نهار ولم تثمر خطبه إلا عن تقدمٍ ملحوظ في علاج الجميع، وعن حكمةٍ واكتشاف لم يأتي إلا متأخرًا ولكنه أتى، ألا وهو "أن الخطب يجب أن تكون قصيرة".   

وعلى الرغم من كثرة خُطبه وطولها، إلا أنه كان غامضًا على المستوى الشخصي، فلم يتم الكشف عن حياته الشخصية إلا فيما ندر، فقد وُلِد في "كوبا" عام "1926" لعائلةٍ غنية، تركها ليناضل مثيلاتها، ويعلن أن الكل سواء، وتزوج أكثر من امرأة في حياته ففي عام 1948 تزوج من ميرتا دياز وأنجبت له ابنه الأول فيديلتيو ويبدوا أن حب التغيير والتنقل والثورة على الواقع لم يكن فقط على المستوى السياسي بل تعداه ليصل إلى حياته الشخصية، فقد انفصل عن زوجته لينتقل إلى ناتي ريفلتا عام 1952  ويُنجب منها ابنته ألينا عام 1956، ولم يفت عام حتى إلا وكان قد التقى سيلينا سانشيز اتى والتي لم يتركها إلى أن تركتها هي صاعدةً للسماء عام 1980، وفي الثمانينيات تزوج من المرأة التي أنجب منها 5 أبناء وهي دالياسوتوديل.

كاسترو الثائر
وعلى ثراء حياته بالأحداث الشخصية، فلم تكن هذه هي الأحداث الأبرز في حياته، إذ أنه وكأي ثوري يحمل فكرة التغيير سُجِن في حياته مراتٍ عديدة، كانت المرة الأولى له عندما حمل السلاح ضد الرئيس الكوبي فالجنسيو باتستا عام 1954 وتم إطلاق صراحه بعد عامين ليواصل نضاله من المكسيك بتكوينه قوة مقاتلة عُرِفت بـ "26 يوليو"  ليحقق تأييدًا كوبيًا كبيرًا لتتمكن قواته من السيطرة على حكم باتستا وتفرض الحكم الشيوعي على البلاد، لتصبح كوبا هي البلد الشيوعية الأولى في الغرب، ولم يكتفي كاسترو بهذا الإنجاز بل عمل على تصدير الثورة إلى البلاد المحيطة، فقد كان له حلم عازم كل العزم على أن ينشره في أنحاء العالم كافة، ومنذ أن أصبح حاكمًا لكوبا عام 1959فلم يتوانى في أن يساعد كل الشعوب لتتحرر من طغيان الرأسمالية وتدخل قلعته الشيوعية وتعم المساواة في العالم أجمع.

وعندما نتجول في حياة كاسترو لنرى مدى إسهامه في تطور كوبا لا نجد الكثير، فلم يجعل بلاده في تقدم أمريكا ولم تسمح له أمريكا أن يفعل، إذ كان كاسترو هو الشخص الأول على قائمة الاغتيالات في "سي آي إيه" فقد قامت بـ600 محاولة  اغتيال فاشلة له ولكنه وعلى الرغم من ذلك ظل واقفًا يخطب في شعبه على مدار 9 رؤساء للولايات المتحدة الأمريكية، ولم يكتف بأن يكون ذلك المشاغب الذي ينشر فكره فحسب، بل راح يسجل أحداثًا سيتذكرها التاريخ ما بقي الزمن، فقد كان على مقربة من أن يجر العالم إلى حرب نووية عالمية عام 1962، وذلك بعدما نشر الاتحاد السوفيتي رؤوس صواريخ نووية في كوبا فشعرت أمريكا بالخطر المميت وكادت الحرب أن تشتعل، لولا أن توصل الكيانان إلى اتفاق مفاده أن تكون كوبا في مأمن من أي غزو أمريكي وأن يتخلص الاتحاد السوفيتي من رؤوس الصواريخ النووية، وهذا الموقف الذي جعل من كاسترو اسمًا عالميًا لم يكن الوحيد، إذ تكرر العديد من المرات، فكان اسم كاسترو حاضرًا وبقوة في الحرب الباردة، وفي العديد من المواقف التي كان الصراع بين الرأسمالية والشيوعية فيها هو سيد الموقف.

وعن علاقاته الطيبة بالرفاق الثوريين حول العالم، كان لجيفارا نصيبًا خاصًا من الصداقة والكفاح المشترك، وكذلك كانت تجمعه بين معمر القذافي العديد من الصلات الفكرية والصداقة المشتركة حيث زار طرابلس عام 1977، كما ندد كاسترو بقتل القذافي، ولم يكن القذافي هو الصديق العربي الوحيد لكاسترو من الحكام، إذ كان لعبد الناصر أيضا نصيبا من الصداقة والود الثوري، ولم تكتفي الجزائر بأسفها لموت كاسترو بل قام صديقه بوتفليقة بإعلان الحداد لمدة 8 أيام على روح كاسترو.

 وفي حين مات الثوريون في ساحات المعارك وميادين الاعتراض وبغدر الرصاص المترصد لهم، مات كاسترو عن عمر يناهز 90 سنة في نوفمبر 2016 بعدما صارع المرض لعشر سنين كاملة على سريره بأمان، تاركًا الحكم لأخيه راؤوول كاسترو منذ 2008.