السبت، 17 فبراير 2018

2 يونية حكاية يوم غير مجرى تاريخ البشرية

كتبت: حنان فوزي الميهي 


تمر كل الأيام بحلوها ومرها، ولا يتبقى منها سوى الذكرى والأثر، والذكريات تُنسى بهلاك البشر، وما يتبقى في النهاية هو الأثر، فإذا ما حذفنا يومًا زال أثره، وبعض التواريخ إذا حذفناها بآثارها قد لا تُحدِثُ فرقًا جليًا في ذاكرة الزمن ومجريات الحاضر، إلا أن لبعض الأيام حضورا قويا، فإذا ما حذفناها وحذفنا أثرها سيتغير وجه التاريخ.

ويعد يوم 2 يونيو من تلك الأيام المشهودة، فما شكل العالم اليوم إذا ما حذفنا هذا اليوم وآثاره من التقويم الإنساني؟ّ! إليك الإجابة:




إذا ما ركبنا سويًا آلة الزمن عابرين على السنوات والأيام والشهور وتوقفت بنا آلة الزمن عشوائيًا عند 1875 لنحذف آثار اليوم الثاني من يونيو، لحذفنا أهم يوم في حياة المخترع " ألكسندر جراهام بيل".


ففي هذا اليوم تحديدًا توصل لاختراعه الأكثر شعبية الآن على الإطلاق "الهاتف" وما إن أتينا لحاضرنا لوجدنا أن الهاتف ليس موجودًا، وعليه لن نشاهد أبدًا ساعي البريد يوصل رسالة من محمود "طائر الليل الحزين" إلى سعاد "أنا أصلًا بنت مشكلة" ليقول فيها "هاي ممكن نتعرف؟".

ولكن في اليوم فائض وقتي كبير لينتج العالم ويُبدع بدلًا من "الحديث في الهاتف" ولما كانت هناك إعلانات لشركات الهواتف النقالة لتقطع المسلسلات في رمضان أو تطلب منهم التبرع بإرسال رسائل نصية، فضلًا عن اختفاء كل تطبيقات التواصل الاجتماعي.

احدى عشرة سنة، نتوقف بعدها عن عمد، لنحذف من التاريخ الثاني من يونيو لعام 1896، وقت أن قرر هذا العالم الفذ "جولييلمو ماركوني" أن يُعلن عن اختراعه الذي غير حياة البشر وهو "الراديو" ويتسلم براءة اختراع الراديو، هنا نحذف هذا الآثر ونكتفي بجعل ماركوني يحتفظ بالراديو لنفسه فقط ليستمع هو وحده لأسامة منير.

ورغم أن هذا كان سيحرمنا من إذاعة القرآن الكريم، وجمال راديو إف إم فضلًا عن اختفاء كل الأغاني التراثية وسقوط وظيفة "مذيع راديو" وكذلك عدم إمكانية اختراع التليفزيون "الذي جاء مكملًا لفكرة الراديو"، إلا أننا لم نكن لنضطر اضطرارًا أن نجتمع على الإفطار في رمضان كل يوم لنشاهد "رامز جلال" يعذب زملاءه في برامجه المعتادة وهم يسبون ويلعنون وسط ضحكات سيكوباتية متلذذة بعذابهم، ثم نجلس بعدها ناقدين رامز ونحن شركاء له في جريمته البشعة.

والآن طال اليوم أكثر فأكثر، فلم يعد هناك هواتف ولا راديو أو تليفزيون، إذا فلنترك القرن التاسع عشر وننطلق إلى القرن العشرين، فلنحذف 2 يونيو لعام 1932، بكل احتفالاته الشعبية التي خلفها افتتاح الملك فؤاد أول مطار مصري "مطار ألماظة" الذي أصبح الآن قاعدة عسكرية شرق القاهرة، عندها لم يكن لمصر أن تمتلك مطارًا، ولظل الإنجليز متحكمين في النقل الجوي، ولصعب الأمر على المصريين عند خروجهم من مصر، ولقرر المصريون ألا يستغنوا عن الإنجليز أبد الدهر، ولكانت إلى اليوم مصر جزءا من المملكة المتحدة، وعملتها اليورو وتتبع الاتحاد الأوروبي.

1946 هذا العام خصيصًا لابد أن يحذف منه الأحداث الواردة في الثاني من الشهر السادس، إذ أنه تم إلغاء الملكية في إيطاليا، وإعلان قيام الجمهورية الإيطالية، ما دفع ولي العهد الإيطالي "الأمير إيمانويل فيلبيرتو سافوي" إلى بيع "مكرونة" على عربة متنقلة في شوارع أمريكا، ليسمي مشروعه "أمير فينيسيا" ويبيع الوجبة بـ15 دولارا.


وفي عام 1949 إذا حُذِف اليوم المنشود لما تغير اسم "شرق الأردن" ليصبح "المملكة الأردنية الهاشمية" اسمًا رسميًا للأردن، ولكانت غرب الأردن ليست تحت حكم المملكة الهاشمية، ولافتقد الجميع في غرب الأردن إطلالة "الملكة رانيا" الآن، مما يدفعهم للقيام بثوراتٍ عدة داعين إلى الانضمام لشرق الأردن، ولحلت الفوضى لتنضم الأردن إلى سوريا والعراق وليبيا وغيرهم من القطيع العربي المشتت. 









وبحذف أحداث 2 يونيو 1966 لن تهبط مركبة الفضاء الأمريكية سيرفيور 1 على سطح القمر، وبهذا يُحذف إنجاز أمريكي، "فكفاهم إنجازات فضائية، وليتركوا لنا المجال قليلًاّ!، اما عن 1989 فبحذفنا 2 يونيو لما رُفِع العلم المصري فوق مقر جامعة الدول العربية في تونس من جديد، بعد فترة من المقاطعة العربية لمصر على خلفية الصلح المصري الإسرائيلي، ولكانت مصر حتى الآن لا تحضر جلسات جامعة الدول العربية أو تستضيفها.

وبالتالي ما كانت مصر لتخسر تكاليف تجهيز القمم العربية التي "لا تحل ولا تربط" ولكانت شجبت ونددت الجامعة العربية كل الأحداث التي تحدث في العالم العربي والإسلامي وحدها دون مصر، وبالطبع كانت مصر ستشجب وتندد وحدها، فالكلٌ يُندد على "بلاوينا" ولا حراك.


أما عن آخر عقدين فلن نضطر إلى أن نستهلك وقودًا في السفر عبر الزمن ونحذف منهما الأحداث، فهي قد مُحيت وحدها، ففي 2 يونيو 2012 حُكم بالسجن المؤبد على "حبيب العادلي" وزير الداخلية إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير، و"محمد حسني مبارك" الرئيس الأسبق، وها قد مُحي اليوم بأحداثه. 


وفي 2014 نستطيع بكل أريحية أن نمحي أحداث هذا اليوم، وذلك حفاظًا على سلامة الشعوب العربية من "الاستفزاز" إذ لا جديد، ونحن دومًا اعتدنا على كل جديد، فمثلًا يعد خبر تنازل ملك إسبانيا "خوان كارلوس الأول" عن الحكم لابنه بعد 38 عامًا من الحكم في هذا اليوم، والإعلان عن عملية التسليم بعد موافقة البرلمان، خبرًا مستفزًا للكثير من الشعوب العربية، والأدهى أن الأمر تم بعد موافقة البرلمان، فالملك استأذن البرلمان، والبرلمان قام بدوره المنوط به.

أما عن 2015 فليُمحى هذا اليوم لتخلو الأيام التي تلته من اللغط والمهاترات وكثرة الكلام عبر أفواه سكان العالم كافة عن أن استقالة "جوزيف بلاتر" من رئاسة الـ«فيفا»، بعد أيام من فوزه بولاية جديدة تنافس عليها مع الأمير على بن الحسين، ولكن مهلًا، لن يكون هناك هاتف لنُبلغ به هذا الخبر، أو مذياع ينشر الخبر، لن تهتم الجماهير المصرية لكون منافسيه كانوا عربًا ونحن مقاطعون لكل البلاد العربية –على اعتبار حذف أحداث الثاني من يونيو عبر التاريخ- وكذلك لم يكن لخبر إلتقاط إشارات الصندوق الأسود للطائرة المصرية المنكوبة في 2 يونيو 2016 أي وجود، فليس عندنا طيران مصري، أو أجهزة راديو ترسل أو تستقبل إشارات، ولكان العالم أهدأ كثيرًا مما عليه اليوم. 

المقال متاح في الرابط التالي: 
http://www.vetogate.com/2734501




ترميمات الأبنية القديمة في مصر الجديدة.. رسالة جمالية لإحياء التراث

 

كتبت : حنان فوزي الميهي


أسسها "البارون إمبان" لتكون حيًا أرستقراطيًا من الدرجة الأولى، والابتعاد بها عن زحام القاهرة، وأدخل فيها كل المرافق الموجودة في أوروبا وصُممت المباني على الطراز البلجيكي، إنها "ضاحية هليوبوليس" أو مصر الجديدة كما تعرف اليوم.

وكانت مصر الجديدة مشروعًا تجاريًا ذات صبغة ثقافية منذ الوهلة الأولى، فبعد أن أخذ البارون إمبان قطعة أرض مساحتها 25 كم على بعد 10 كم من قلب القاهرة في ذلك الوقت، بدأت شركة "سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس" في إعداد تلك المنطقة، وإمدادها بكل المرافق الحديثة آنذاك كالكهرباء والمياه والصرف الصحي، وإمداد خط مترو مصر الجديدة الذي لم يعد موجودًا الآن.

وبنى البارون إمبان لنفسه قصرًا مشيدًا في تلك المنطقة الهادئة البعيدة عن العمران، وتسابق المشترون في الحجز، وبدأت تصطبغ بصبغة أرستقراطية منذ البداية، فالأعداد محدودة والأسعار مرتفعة، وصُممت المباني على ألا ترتفع أكثر من طابقين أو ثلاثة طوابق كحد أقصى، وتسابقت الجاليات الأجنبية والأثرياء للسكن في تلك الضاحية ذات التصميم الأوروبي.

ولم يكن يتخيل من صمم هذه الضاحية لتكون بعيدًا عن كل ضجيج القاهرة، أنها ستكون في يوم من الأيام مركز الحكم في مصر، إذ أن بها القصر الرئاسي "قصر العروبة"، وعلى الرغم من ذلك لا زالت تحتفظ بهدوئها وجمالها، وأرستقراطيتها، ومنذ أن تأسست في عام 23 مايو 1905 إلى الآن أي منذ أكثر من 111 سنة تحتفظ مصر الجديدة بهوية ثقافية متعددة، فبها العديد من المساجد الكبيرة وبها مقر العديد من الكنائس العريقة مثل الكاتدرائية الكاثوليكية والإنجيلية بمصر الجديدة، والبازليك، كنيسة مارمرقس، وسانت فاتيما وبها بطريركية الروم الكاثوليك، وغيرها الكثير من الكنائس. 

أيضا بها فيلل الوزراء وبيوت الأثرياء الذين رغم انتقالهم عنها إلا أن أسماءهم تُخلد ذكراهم في المكان، ومنهم المصريين والأجانب، مثل قصر إبراهيم باشا عبد الهادي، وقصر البارون إمبان، وآل لملوم، والسلطان حسين كامل، والفريد بك شماس، وباغوص باشا نوبار، ودائرة ادهم باشا.

وفي حملة لإعادة الجمال والرونق لمصر الجديدة وميدان الكوربة بالتحديد – حيث يوجد القصر الرئاسي- تقوم حاليًا حملة ترميم لواجهة المباني المتبقية من تصاميم مصر الجديدة الأولية، التي صُممت على الطراز الأوروبي، وهذه المباني هي ما تبقى من هذا الطراز المعماري بعد أن أُزيل العديد منها في العقود الماضية لتقام أبراج مرتفعة بدلًا منها.

وتزامنت مع هذه الترميمات دعوات ثقافية للتسامح وحفظ الثقافة والتراث، وتسابق شباب مصر الجديدة في تصوير معالمها وجوها الهادئ المميز، لتقوم الشركة المسئولة عن الترميمات بنشر هذه الصور لتغطية أعمال الترميم في لفتة جميلة، وكُتِب مع كل صورة اسم من قام بتصويرها، لتوضع صور من تصوير مينا وأحمد ويوسف جنبًا إلى جنب وتغطي مظهر الترميمات المقامة على أبنية صممها فرنسيون وبلجيكيون، وعاش فيها أرمن وأروام، وتوارثتها أجيال من الثقافات المختلفة على أرض مصر لتعبر عن التناغم الحقيقي لجو مصر دونما تلوث.

هذا الموضوع منشور على الرابط التالي: 
http://www.vetogate.com/2735540

في الذكرى السابعة لرحيله.. حوار من داخل منزل «أسطى الدراما» أسامة أنور عكاشة

حوار: حنان فوزي الميهي



سبع سنوات مرت على رحيل «أسطى الدراما التليفزيونية» أسامة أنور عكاشة، رحل السيناريست الكبير وترك فراغًا في ساحة الكتابة لم ينجح أحد في ملئه حتى الآن، أعماله الدرامية ما زالت شاهدة على مراحل مهمة في تاريخ مصر، وعلى التغيرات الرهيبة التي حدثت في تركيبة الحارة المصرية من "ليالي الحلمية" مرورا بـ"زيزينيا" و"أرابيسك" وصولا إلى "ضمير أبلة حكمت" و"امرأة من زمن الحب" وختاما بـ"المصراوية".

"فيتو" ذهبت إلى بيت أسامة أنور عكاشة التي تحل الذكرى السابعة لوفاته هذا العام بالتزامن مع شهر رمضان المبارك، الذي كان أحد نجومه بأعماله لسنوات طويلة، دخلنا المكتب الذي كانت تخرج فيه إبداعاته وتعرفنا عن قرب على طقوسه في عالم الكتابة، وأسرار ارتباطه بالمخرج الكبير إسماعيل عبد الحافظ.

وذكرت نجلته الإذاعية الشابة نسرين عكاشة، بعضا من سيرته ومسيرته في عالم الإبداع، وتحدثت عن طقوسه في شهر رمضان، وموقفه من الأعمال الدرامية التي تذاع رمضان الحالي.. وإلى نص الحوار: 

كيف بدأت حكاية أسامة أنور عكاشة مع كتابة السيناريو وما هي طقوسه في الكتابة؟والدي لم يكن مهتمًا بكتابة السيناريو، ولكن قيل له أنت كاتب مُبدع فلما لا تُجرب كتابة السيناريو، وساعده في بداياته بعض أصدقائه المحيطين به إلى أن أصبح أسامة أنور عكاشة.

أما عن طقوسه في الكتابة، فكان دوما هادئا يستيقظ من النوم ليتحدث إلينا ويستمع إلى أي شيء يُعدل من مزاجه، ثم يذهب مباشرة لمكتبه حيث تبدأ رحلة الإبداع، وكان معروف ضمنيًا أنه ينبغي مقاطعته أو دخول المكتب أثناء وجوده بالمكتب وكتابته لسيناريو ما، ولكن إذا حدث ودخل أحد منا عليه فهو لم يكن ليسمع ما نقول، فاندماجه في الكتابة كان يحجب عنه حتى أصواتنا إن نحن تحدثنا إليه. 

ما سر ارتباط إسماعيل عبد الحافظ وأسامة أنور عكاشة في العديد من الأعمال الدرامية؟
"عم إسماعيل" كان صديق الوالد وكان لهما أحلام واحدة ومسيرة مشتركة ليس فقط في الدراما ولكن أيضًا في الحياة الثقافية والفكر، وعندما نجحا سويًا في أعمالهما الأولى استمر النجاح في أعمال أخرى، فقد كان كل منهما يفهم الآخر.

ماذا كانت تمثل الإسكندرية لأسامة أنور عكاشة؟ 
للإسكندرية مكانة خاصة في قلب الوالد، فقد كان يحب أن يكتشف الأماكن والأزمنة، وكان للإسكندرية حظ كبير في قلبه، فهي بمثابة العشق، وهذا ما جعله يكتب "زيزينيا" فهو كان يتفقد الأماكن ليتعرف عليها، ولهذا معظم أعماله مرتبطة بالأماكن، أيضا هو قارئ جيد، فهو في الأصل مثقف وقارئ جيد ومهتم بالمجال الثقافي ووعي المشاهد عنده كان يُمثل الأولوية.

هل كان أحد يفرض الأفكار على أسامة أنور عكاشة؟ وهل كان يطلب هو أن يُوضع اسمه بشكل معين على المسلسلات؟
في البداية كانت الأفكار تُعرض عليه ثم يُبلورها هو ويكتبها، لكن فيما بعد كانت أفكاره وكتاباته هي من تفرض نفسها. 

أما عن وضع اسم أسامة أنور عكاشة على المسلسلات في الصدارة فلم يكن مطلبه هو، بل كانت حيلة إنتاجية لضمان نسبة مشاهدة عالية، فكان يتم التسويق للأعمال الدرامية باسمه، فالمشاهد كان يثق في كتابة والدي ويلتف المشاهدون ليشاهدوا مسلسلات أسامة أنور عكاشة، تحديدًا لأنه احترم عقولهم وتعودوا منه على الأعمال الدرامية المحترمة التي تضيف قيمة وبها قصة وحبكة درامية حقيقية.

كيف كان أسامة أنور عكاشة يتابع أعماله في رمضان وما هي طقوس رمضان في الأسرة؟رمضان مع أبي كان له طعم آخر، كان المنزل لا يخلو من الوسط الفني والثقافي، الكل يجتمع في مكتب والدي فضلا عن اجتماع الأسرة والأهل والأخوات والأحفاد.

أبي كان يمثل لنا رمضان، كنا إما نتابع أعماله أو نستمع لمناقشة أعماله، أو نلتف جميعنا لنتابع معه المسلسلات الأخرى التي كان يقوم بإعداد قائمة بها ليتابع ويُقيم كل عمل، مضيفًا: "الإخراج هنا كان محتاج يتظبط"، أو مثنيًا على العمل بقوله "الحبكة دي رائعة"، وكل هذه الأجواء افتقدناها بعد رحيله، فأصبح رمضان يمثل لنا الذكرى معه ومع أعماله.

في رأيك ما هو الفرق بين الدراما الحالية ودراما جيل أسامة أنور عكاشة؟الفرق ليس في الدراما بقدر ما هو في الذوق العام للجمهور، هناك مشكلة حقيقية في الذوق العام، فمثلًا عند تأكيد نصف جمهور مسلسلٍ ما أن المسلسل رائع وعمل يستحق المشاهدة، في حين يؤكد النصف الآخر من الجمهور أنه عمل تافه ولا يرقى لكونه عملًا دراميًا، هنا تكمن المشكلة.

الذوق العام أصبح في حيرة، وذلك يرجع إلى كثرة الأعمال الرديئة التي تعرض الآن، فالدراما الآن لا تُقدم قصة بقدر ما تُقدم "إسكتشات"، وكان والدي يرفض رفضًا تامًا أن يقوم العمل على إسكتش، فلا بد أن يُقدم العمل قيمة مضافة للجمهور، فلا وجه للمقارنة بين ما كان يُقدم قديمًا وما يُقدم الآن بدعوى "السبوبة" فالإعلانات أصبحت متحكما قويا في الأعمال، فالمنتج يُنتج ليبيع لا يُنتج ليُقدم فن أو رسالة.

ما المسلسل الذي كان سيستفز الكاتب أسامة أنور عكاشة لو كان على قيد الحياة؟
والدي كان صعب الاستفزاز، ولم يكن مُنتقدًا بطبعه، فيكفي أن يُضيف بعض اللمسات الضرورية للعمل، مؤكدًا أنه عمل جيد، ولكن في ظل هذا الزخم الحالي لم يكن ليتابع كل هذا الكم من المسلسلات، ولكنه كان يكره الأعمال التي لا تقدم قيمة أو رسالة، مُكتفية بجعل المشاهد يضحك لمجرد الضحك أو لمجرد أن ما قيل هو "نكتة"، ومن الأمثلة إلى كان ينفر منها والدي وبشدة مسلسل مثل "ريح المدام" فهو عمل خالي من الرسالة أو القيمة.

أي من المسلسلات التي تعرض الآن عندما تشاهدينها تقولين أن هذا العمل كان من الممكن أن يكتبه والدي؟
"واحة الغروب" لو كان والدي يكتب روايات لكتب "واحة الغروب" هذا العمل الفني الراقي، وكذلك كنت أرى والدي في مسلسل "ونوس" فهذه الأعمال الفنية الراقية ذات الرسالة أجد فيها رائحة أسامة أنور عكاشة.

هل توجد أعمال لم تكتمل لأسامة أنور عكاشة؟ وما مصيرها؟
"تنابلة السلطان" هو آخر ما خطت يد الكاتب أسامة أنور عكاشة، ولكن القدر لم يمهله ليكمل هذا العمل، والعديد من المخرجين وجهات الإنتاج عرضت على الأسرة أن تأخذ العمل لتكمله وتنشره ، هناك أيضا العديد من الأعمال والأفكار غير المكتملة في مكتبة أسامة أنور عكاشة، ولكن لم يتم حصرها بعد، فمكتبته كما هي منذ أن فارق عالمنا إلى اليوم.

ألم يرث أحد أبناء أسامة أنور عكاشة عنه الكتابة ليكمل هذه الأعمال؟لم يرث عنه أحد كتابة السيناريو، ولكن أخي "هشام" رحمه الله ورث عنه بعض إبداعاته وكان مخرجًا ودخل معه الوسط الفني، أما أنا فأكتب وأعمل كإعلامية ولكن لم أجرب أن أكتب السيناريو، لذلك أعمال أسامة أنور عكاشة وأفكاره التي لم تُطبق بعد باقية إلى أن تجد من يُقدرها ويستطيع أن يُخرِجها إلى النور.

من يعيش الآن في منزل أسامة أنور عكاشة ؟ وألم تفكر الأسرة أن تقوم بعقد الأمسيات الثقافية في المنزل مثلما كان يحدث من قبل؟ 
تعيش هنا والدتي وأختي الكبرى، وعُرِض علينا مرارًا أن نشارك في فعاليات باسم الراحل أسامة أنور عكاشة، فهذا المكتب وهذا البيت حفل بالعديد من النقاشات الفنية والأمسيات الثقافية وقت أن كان والدي على قيد الحياة، ولكن يظل المكتب شبه مهجورًا بعد أن وعد العديد ممن كانوا يترددون عليه أن يحيوا فيه أمسيات ثقافية، ولكن لا أحد يفي بالوعد أو يتذكر في ظل ملاهي الحياة المتكررة. 

كيف استقبلت الأسرة رمضان وتأتي ذكرى أسامة أنور عكاشة الثامنة في أول أيامه؟
رمضان بدون أبي لا طعم له، وهذا العام تأتي ذكراه في بداية شهر رمضان، فقد كان شيئا مؤلما أن شعرت بالأسى عندما وجدت تجاهل إعلامي لأبي في ذكرى وفاته، لكن الجميل أن الجمهور والناس هم من تذكروه، فهو كان دائمًا يقول: "الناس الغلابة هي اللي هتفضل فكراني".

نشر الموضوع على الرابط التالي: 
http://www.vetogate.com/2739333

حكايات من سوق السمك «تقرير مصور»

كتبت: حنان فوزي الميهي

هناك أماكن تهتدي إليها بسؤال المارة في الطرق، أو بعنوان على ظهر ورقة، وهناك أماكن تقودك إليها الروائح، فعند سؤالي لسائق التاكسي عن هذا المكان قال لي "هتعرفيه لوحدك من الريحة يا أبلة" فتلك الرائحة المميزة تقودك إلى حيث يوجد ساكني المياه الذين جاءوا هنا قصرًا دونما إرادة منهم عبر رحلةٍ لم يختاروها، إنه سوق السمك الحضاري بالمنيب.


السمك هو العامل المشترك الوحيد في هذا المكان، فتعددت الحكايا والسمك واحدٌ، فهنا ستجد مزيجًا من حكايات لن تتجمع إلا في هذا المكان، بدءً من حكايا القطط التي تتجول بأمان وأدب جم في السوق، مكتفيةً ببقايا السمك التي يمِنُ بها الباعة عليها وما أكثر هذه المنن، فتأكل هذه القطط حتى تشبع، ولربما تأكل سمكًا بمعدل يفوق معدل أكل الكثير من البشر لهذا الصنف الذي أصبح لمن استطاع إليه سبيلًا بعد هذا الغلاء الموحش.

وتشبع القطط مُكتفيةً بهذا القدر لتنام في سلام لا يجده الكثير من البشر، ولما لا وقد باتت ضامنة أن الفطار والغداء والعشاء، سيكون وجباتٍ متنوعة من أسماكٍ متعددة الأصناف والأشكال، بين سمكٍ نيلي وسمكٍ بحري.




وعندما تترك القطط وتركز أكثر على البشر، فسيستوقفك في الوهلة الأولى محل أسماك الهواري لصاحبة الحاج عبد الرحمن الذي يحب أن يطلق على نفسه لقب "رئيس سوق السمك بالمنيب" ولما لا وهو من مؤسسي السوق، إذ إنه هنا في نفس المكان منذ أكثر من عشرين عامًا، ومن قبلها يحكي أنه كان في سوق السمك القديم بشارع سعد في الجيزة، وذلك منذ ستينيات القرن الماضي، فمثلما يوجد شيخ الصيادين فالحاج عبد الرحمن يعد شيخ البائعين في هذا السوق.

"يوم الجمعة دا كنا بنعدي بجنبنا في السوق من كتر الزحمة" هكذا بدء كرم كلامه عن أمجاد سوق السمك قديمًا، متحسرًا على الحال الذي آلت إليه الأوضاع الآن، وكرم بائع سمك مُحنك يعرف عن السمك ما لا يعرفه الآخرون، وفي أثناء روايته عن كيف يأتي هذا السمك إلى هنا يقول: "هذا السمك من أماكن متعددة مثل السويس وكفر الشيخ والإسكندرية، يأتي طازجًا يوميًا إلى سوق العبور ليُباع بالجملة، عبر مزاد علني، وقديمًا كنا نشتري كل يومين نصف طن من كل نوع، ومن التجار من كان يشتري بالطن، ولكن الآن نحن نشتري صندوق من كل نوع بما يعادل 25 كيلو، فحركة البيع شبه متوقفة.


"كل يوم الساعة 6 بييجي الصيادين هنا ونشتري منهم سمك النيل" قائلة هذه الجملة هى حنان عاشور أم لبنتين يساعدونها في تجارة السمك، فشهد وملك هنا دومًا لمساعدتها، بينما الأب يعمل في مجالٍ آخر غير السمك، وحنان تتاجر في سمك النيل، فهى لا تستطيع أن تنافس التجار الكبار ممن يتاجرون في أسماك البحر، فهى تقف هنا يوميًا لتحصد قوتها وقوت بناتها، وبكل الأسى تقول "الزباين بقت تيجي تسأل على سعر السمك وتمشي وقليل بس اللي بيشتري" ولما لا وسعر الأسماك قفز قفزة لم يكن ليتخيلها أحد، فمن 12 جنيهًا لكيلو البلطي إلى 35 جنيهًا للكيلو، هذه الزيادة كما أزعجت المشترين، فهى حتمًا تزعج تجار سوق المنيب التي توقفت لديهم حركة البيع والشراء منذ بداية هذه الزيادة المهولة في أسعار السمك.





وهنا على الأرض تفترش هذه السيدة التي يأست من مناداتها على سمكها الذي لم يُباع، فقالت لي"صوريني بس مش قادرة أتكلم، أنا طول النهار بهاتي مع الزباين بيسألوا عالسعر ومبيشتروش"





ووسط هذا التجمع الضئيل في سوق السمك يأتيك صمت مبالغ فيه من الجهة الأخرى، لتلتفت وترى هذا الهدوء الذي يكتنف هذا الجزء من السوق، لكن عندما تذهب إليه تجده هو أيضًا جزء لا يتجزء من سوق السمك، إذ إنه الجانب الخاص بالسمك المجمد، فهنا يتخصص هذا المكان لبيع الأسماك المجمدة، ويقول الحاج محمد أبو الغيط صاحب محل أسماك مُجمدة إن هناك بعض الأنواع من السمك لا توجد طوال العام، مثل الجمبري الذي يبدأ موسمه في سبتمبر وينتهي في أبريل، وفي غير هذه الفترة ينشط السحب على الجمبري المجمد، ولكن هذا كان في الأيام العادية قبل أن يزداد سعر الجمبري ليصل إلى 300 جنيه للجمبري الطازج، و165 جنيهًا للمجمد بعدما كان المثلج 85 جنيهًا مُحققًا زيادة تصل إلى 100%، وبهذا الكلام يُبرر الحاج أبو الغيط هذا الهدوء الذي يملئ المكان.



بعيدًا عن بائعي السمك، هناك مهن أخرى في سوق السمك، فيبدوا أن خالد عنتر هو الوحيد الذي لم يرتفع أجره ولا زالت مهنته محتفظة بسعرها، إذ يقول "أنا بنضف كيلو السمك بجنيه"، جنيهًا واحدًا ثمنًا لتنضيف كيلو سمك وتقشيره وجعله مُهيئًا للطبخ مباشرةً، وبهذا يكون خالد هو الأقل جشعًا في سوق السمك، إلا أنه الأعلى شعبية بين القطط، فتجده صديقًا للقطط، يُطعمهم من أحشاء وقشور الأسماك التي ينظفها، وخالد لا يُطعم القطط لكي يتخلص من تلك الأحشاء، بل لأن بقلبه رحمة ويعلم جيدًا كيف تجوع الأرواح، وإلا فإن هذه الأحشاء وتلك القشور مهمة جدًا بالنسبة له، إذ يبيعها لتجار الأعلاف وكما قال "أهي نواية بتسند الزير" ومن يدري فلعل الزير هو الآخر مثقوب!


وكما قال كرم السوق مفيهوش غير عشرة مشتريين، ومن ضمن هؤلاء المشتريين "وليد صابر" الذي يحكي مشكلته مع غلاء الأسعار ليقول: "أنا دلوقتي بشتري بالواحدة، يعني أختار على قد عدد أفراد الأسرة بالظبط وأوزنهم" فهنيئًا لك يا وليد أنك تستطيع أن تشتري سمكة لكل  فرد، فهناك من لا يستطيع أن يفعل ذلك بعد هذه الزيادة المهولة في الأسعار، ويستكمل وليد كلامه ليقول إنه يشتري أيضًا الفاكهة بالثمرة، فرفاهية أن يشتري الأشياء لتفيض عن احتياجات أسرته انتهت وحل محلها الدعاء الأكثر ترديدًا "يا رب عدي الشهر على خير".


لو تطرق نظرنا لكل التجار والباعة لوجدنا شيئًا منطقيًا نغفل عن ملاحظته، ألا وهو أن السمك مع كل بائع يبدوا متجانسًا، ولكن مع رؤية سمك أم عمرو تلاحظ وبشدة كم الاختلاف في سمكها، فكل سمكة تقريبًا تختلف عن الأخرى، وعندما تقترب أكثر منها تجد أن كل الأشياء هنا مختلفة، وليس فقط السمك، فالكل يقول عنها إنها الأم الحنون للسوق، والأم المثالية والمكافحة المثابرة، فزوجها توفى منذ أكثر من عشرين عامًا تاركًا لها ثروة تتكون من خمسة أبناء والستر، فعملت في سوق السمك منذ ذلك الحين لكي تُربي أولادها، وتزوج منهم حتى الآن أربعة أبناء، وبفخر الدنيا كله تقول أم عمرو أنها علمت أولادها ليصبحوا متعلمين فمنهم ابنة خريجة نظم ومعلومات وأخرى معهد تمريض، أما أولادها فقد اكتفوا بالتعليم الصناعي، ولكن مع هذا الفخر التي تحدثت به، يتحول صوتها إلى الأسى وهى تقول إنهم عاطلين عن العمل، وإنها حاولت مرارًا أن تسعى على معاش لها من التضامن الاجتماعي ولكن ورقها لم يكن كاملًا، وهى كما تصف نفسها غير قادرة على تحمل الطوابير يوميًا بدون طائل، وعن شكل السمك المختلف الأحجام والأشكال قالت أم عمرو إنها تأخذ من كل تاجر وصياد سمكة، لكي يتجمع لديها هذا المزيج اليومي من السمك التي تقتات على ثمنه هى وأبناءها.


"هات سمكة والنبي" هذا هو طلب المتسولين في سوق السمك، فماذا سيطلب المتسول من تاجر سمك غير أن يمن عليه بسمكة! ومع كثرة المتسولين فأم عمر هى الأكثر شهرة، فهى هنا منذ عشرين عامًا، والمميز في أم عمر أن الكل يعرف حكايتها في السوق، فعمر ابنها الوحيد في السجن منذ عشرين عامًا يقضي عقوبة قتل في مشاجرة لم يكن طرفًا فيها، فتقول أم عمر عن ابنها "كان شغال في شركة ملابس وناس بتتعارك دخل يسلك وناس اتقتلت وخدوه" ومن هذا الوقت إلى يومنا هذا تذهب أم عمر لابنها في طرة بزيارات أسبوعية تُنفق عليها كل ما تجنيه من رزق سوق السمك وغيره.

هذه الحكايات هى جزء بسيط من قصص كثيرة في سوق السمك، فقد حكينا عن قصص القطط والباعة والمشتريين والتجار والمتسولين وعاملي التنضيف وغفلنا أهم قصة ألا وهى قصة السمك، ولكن مهلًا فالكل هنا يأتي قاصدًا السمك، ولكننا أتينا هذه المرة قاصدين قصص من سوق السمك. فهذه الحكايات وغيرها آلاف الحكايات قد تكون في كل مكان نذهب إليه عابرين دون أن ننظر في وجوه البشر، فوراء كل وجه حكاية.

نشر هذا الموضوع على الرابط التالي: http://www.vetogate.com/2660646 
























فيلم زوجة رجل مهم.. أيديولوجية المُستبد في السينما

كتبت: حنان فوزي الميهي

قليلة هي الأفلام التي تحمل جانب من الجوانب الخفية في العلاقة بين السلطة والمجتمع، ولاسيما تلك التي تتناول الجوانب الشخصية والاجتماعية لا الجوانب السياسية من تلك العلاقة، ونادر هو الفنان الذي يتوحد مع الشخصية التي يؤديها لدرجة أنه قد يصيبه مرضٍ ما لشدة توحده مع تلك الشخصية وانشغاله بهمومها وكمده لخسارتها وهوانها في السياق الدرامي للعمل الفني، وكذلك ليس كل الأفلام المصرية يتم عرضه في المهرجانات العالمية، بل ويستحسنها ويثني عليها أعضاء لجنة التحكيم، ولكن عندما يجتمع الفنان أحمد زكي ويتألق المخرج محمد خان لينتجا معا عملاً اجتماعيًا نفسيًا سياسيًا من طرازٍ فريد فحتمًا سيبدو الأمر منطقيًا في فيلم "امرأة من زمن عبد الحليم" كما كان اسم النص الأصلي للسيناريو الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.

يعرفه الجميع باسم فيلم "زوجة رجل مهم" جاهلين الاسم الأصلي له "امرأة من زمن عبد الحليم" فلم يكن عبد الحليم هو سيد الموقف في الفيلم بقدر ما كان هشام أبو الوفا هو المحور الذي يتوه في تصنيفه المشاهد، هل هو رجل ذا جبروت وظالم؟ أم تراه عاشقًا يهيم حبًا بتلك الفتاة الحالمة التي تعشق عبد الحليم وتعيش بين طيات الزمن الجميل؟ أم أنه ضحية المكانة السياسية والنسق الاجتماعي الذي وُضِع فيه؟ وكيف كانت حياة ذلك الرجل المهم بعد أن تخلت عنه السلطات الأمنية ككبش فداء لجرائمها السياسية فأجبرته على التقاعد؟ وكيف تعامل هذا الضابط المتقاعد مع المجتمع من حوله في ظل هذه المفارقات؟ كل هذه الأسئلة يجيب عنها هذا الفيلم تاركًا المشاهد يخوض تجربة من التجارب السينمائية التي قد تترك أثرًا عميقًا بعد انتهاء المشاهدة.

عُرِض الفيلم للجمهور في عام 1988 بعدما تم إنتاجه عام 1987وهو من تأليف رؤوف توفيق وإخراج محمد خان، وبطولة الفنان الكبير أحمد زكي والفنانة ميرفت أمين وزيزي مصطفى واشترك في التمثيل علي الغندور وحسن حسني ونظيم شعراوي وغيرهم من الممثلين. وقامت أسرة الفيلم بإهداء الفيلم "إلى زمن وصوت عبد الحليم حافظ" وذكروا ذلك في بداية الفيلم مع التتر. فأضافت الموسيقى التصويرية للفيلم وأغنيات عبد الحليم فخامة إلى هذا العمل الفني العظيم، ولم تأتي عظمة الفيلم من كون أن النقاد أثنوا عليه ومنهم من قال أنه من أعظم 10 أفلام أنتجتهم السينما المصرية، كما قال عنه الناقد "محمد سيد عبد الرحيم" إنه "توثيق لسيكولوجية المستبد ورحلة صعوده وهبوطه"، فلم يكن رأي النقاد فحسب هو الدليل على نجاح الفيلم، فقد تفاعل الجمهور معه وكان عليه إقبالا كبيراً في شباك التذاكر.

"بيقولولي اكسلنت يا ولاد الكلب" تلك كانت جملة أحمد زكي للوفد المصري المشارك في مهرجان موسكو السينمائي، قالها بجنون وسعادة لا يوصفان متباهيًا بتلك الكلمات أمام كل من يعرف في المؤتمر، ويحكي هذه الواقعة عماد أديب في برنامجه "بهدوء" فيذكر أنه عندما كان مع أحمد زكي في المهرجان قابلا الفنان العالمي "روبرت دي نيرو" وقد كان عضو لجنة التحكيم في المهرجان آنذاك، ووجه لهم الشكر على مستوى الفيلم وجودته مؤكدًا لهم أن الفيلم رائع، وعند ذلك سأل الفنان أحمد زكي عماد أديب قائلاً "هو بيقول إيه؟" فأجابه عماد أديب "بيقولك هو شاف الفيلم وعجبه" عندها تدخل دي نيرو قائلاً لعماد أديب "الفيلم جميل لكن قوله أنه ممثل عظيم" فترجم عماد أديب بدوره تلك الكلمات لأحمد زكي وقال له "بيقولك أنت ممثل عظيم" وعندها لم يستوعب أحمد زكي الكلام وبدا متشككاً فيما قيل له من ترجمة، فاتجه بدوره إلى دي نيرو مستفهماً فأشار عليه دين يرو بإصبعه وقال له you are Excellent Actor"" أي أنت ممثل ممتاز، وحينها تهلل وجه أحمد زكي غير مصدقًا وراح يتساءل قائلاً "اكسلنت يعني ممتاز صح" ثم تهللت أسارير وجهه أكثر فأكثر وأخذ يدور على كل من كان معه مردداً "بيقولي اكسلنت يا ولاد الكلب".


وقد عَبَر أحمد زكي خلال هذا الفيلم من بوابة تقمص الشخصية ليدخل في مستوى آخر وهو التوحد مع الشخصية التي يقدمها، ولكن لكل مرحلة من الأداء والعظمة آثارها الجانبية وضريبتها الباهظة، إذ أن الفنان أحمد زكي بعد الفيلم أصبح مريض بالقولون العصبي، وذلك إثر تعرضه للضغط العصبي في دور شخصية العقيد هشام الذي يشعر بالمهانة بعدما خرج على المعاش ويعرض عليه جاره أن يعمل عنده في المزرعة، ويأبى وقتها صوته أن يخرج في تشنج عصبي وانفعال حقيقي من الشخصية دفع ثمنها أحمد زكي طوال فترة علاجه من تقمص الشخصية والتوحد معها.