كتبت : حنان فوزي الميهي
وكانت مصر الجديدة مشروعًا تجاريًا ذات صبغة ثقافية منذ الوهلة الأولى، فبعد أن أخذ البارون إمبان قطعة أرض مساحتها 25 كم على بعد 10 كم من قلب القاهرة في ذلك الوقت، بدأت شركة "سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس" في إعداد تلك المنطقة، وإمدادها بكل المرافق الحديثة آنذاك كالكهرباء والمياه والصرف الصحي، وإمداد خط مترو مصر الجديدة الذي لم يعد موجودًا الآن.
وبنى البارون إمبان لنفسه قصرًا مشيدًا في تلك المنطقة الهادئة البعيدة عن العمران، وتسابق المشترون في الحجز، وبدأت تصطبغ بصبغة أرستقراطية منذ البداية، فالأعداد محدودة والأسعار مرتفعة، وصُممت المباني على ألا ترتفع أكثر من طابقين أو ثلاثة طوابق كحد أقصى، وتسابقت الجاليات الأجنبية والأثرياء للسكن في تلك الضاحية ذات التصميم الأوروبي.
ولم يكن يتخيل من صمم هذه الضاحية لتكون بعيدًا عن كل ضجيج القاهرة، أنها ستكون في يوم من الأيام مركز الحكم في مصر، إذ أن بها القصر الرئاسي "قصر العروبة"، وعلى الرغم من ذلك لا زالت تحتفظ بهدوئها وجمالها، وأرستقراطيتها، ومنذ أن تأسست في عام 23 مايو 1905 إلى الآن أي منذ أكثر من 111 سنة تحتفظ مصر الجديدة بهوية ثقافية متعددة، فبها العديد من المساجد الكبيرة وبها مقر العديد من الكنائس العريقة مثل الكاتدرائية الكاثوليكية والإنجيلية بمصر الجديدة، والبازليك، كنيسة مارمرقس، وسانت فاتيما وبها بطريركية الروم الكاثوليك، وغيرها الكثير من الكنائس.
أيضا بها فيلل الوزراء وبيوت الأثرياء الذين رغم انتقالهم عنها إلا أن أسماءهم تُخلد ذكراهم في المكان، ومنهم المصريين والأجانب، مثل قصر إبراهيم باشا عبد الهادي، وقصر البارون إمبان، وآل لملوم، والسلطان حسين كامل، والفريد بك شماس، وباغوص باشا نوبار، ودائرة ادهم باشا.
وفي حملة لإعادة الجمال والرونق لمصر الجديدة وميدان الكوربة بالتحديد – حيث يوجد القصر الرئاسي- تقوم حاليًا حملة ترميم لواجهة المباني المتبقية من تصاميم مصر الجديدة الأولية، التي صُممت على الطراز الأوروبي، وهذه المباني هي ما تبقى من هذا الطراز المعماري بعد أن أُزيل العديد منها في العقود الماضية لتقام أبراج مرتفعة بدلًا منها.
وتزامنت مع هذه الترميمات دعوات ثقافية للتسامح وحفظ الثقافة والتراث، وتسابق شباب مصر الجديدة في تصوير معالمها وجوها الهادئ المميز، لتقوم الشركة المسئولة عن الترميمات بنشر هذه الصور لتغطية أعمال الترميم في لفتة جميلة، وكُتِب مع كل صورة اسم من قام بتصويرها، لتوضع صور من تصوير مينا وأحمد ويوسف جنبًا إلى جنب وتغطي مظهر الترميمات المقامة على أبنية صممها فرنسيون وبلجيكيون، وعاش فيها أرمن وأروام، وتوارثتها أجيال من الثقافات المختلفة على أرض مصر لتعبر عن التناغم الحقيقي لجو مصر دونما تلوث.
هذا الموضوع منشور على الرابط التالي:
http://www.vetogate.com/2735540
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق