كتبت: حنان فوزي الميهي
قليلة هي الأفلام التي تحمل جانب من الجوانب الخفية في العلاقة بين السلطة والمجتمع، ولاسيما تلك التي تتناول الجوانب الشخصية والاجتماعية لا الجوانب السياسية من تلك العلاقة، ونادر هو الفنان الذي يتوحد مع الشخصية التي يؤديها لدرجة أنه قد يصيبه مرضٍ ما لشدة توحده مع تلك الشخصية وانشغاله بهمومها وكمده لخسارتها وهوانها في السياق الدرامي للعمل الفني، وكذلك ليس كل الأفلام المصرية يتم عرضه في المهرجانات العالمية، بل ويستحسنها ويثني عليها أعضاء لجنة التحكيم، ولكن عندما يجتمع الفنان أحمد زكي ويتألق المخرج محمد خان لينتجا معا عملاً اجتماعيًا نفسيًا سياسيًا من طرازٍ فريد فحتمًا سيبدو الأمر منطقيًا في فيلم "امرأة من زمن عبد الحليم" كما كان اسم النص الأصلي للسيناريو الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
قليلة هي الأفلام التي تحمل جانب من الجوانب الخفية في العلاقة بين السلطة والمجتمع، ولاسيما تلك التي تتناول الجوانب الشخصية والاجتماعية لا الجوانب السياسية من تلك العلاقة، ونادر هو الفنان الذي يتوحد مع الشخصية التي يؤديها لدرجة أنه قد يصيبه مرضٍ ما لشدة توحده مع تلك الشخصية وانشغاله بهمومها وكمده لخسارتها وهوانها في السياق الدرامي للعمل الفني، وكذلك ليس كل الأفلام المصرية يتم عرضه في المهرجانات العالمية، بل ويستحسنها ويثني عليها أعضاء لجنة التحكيم، ولكن عندما يجتمع الفنان أحمد زكي ويتألق المخرج محمد خان لينتجا معا عملاً اجتماعيًا نفسيًا سياسيًا من طرازٍ فريد فحتمًا سيبدو الأمر منطقيًا في فيلم "امرأة من زمن عبد الحليم" كما كان اسم النص الأصلي للسيناريو الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
يعرفه الجميع باسم فيلم "زوجة رجل
مهم" جاهلين الاسم الأصلي له "امرأة من زمن عبد الحليم" فلم يكن
عبد الحليم هو سيد الموقف في الفيلم بقدر ما كان هشام أبو الوفا هو المحور الذي
يتوه في تصنيفه المشاهد، هل هو رجل ذا جبروت وظالم؟ أم تراه عاشقًا يهيم حبًا بتلك
الفتاة الحالمة التي تعشق عبد الحليم وتعيش بين طيات الزمن الجميل؟ أم أنه ضحية
المكانة السياسية والنسق الاجتماعي الذي وُضِع فيه؟ وكيف كانت حياة ذلك الرجل
المهم بعد أن تخلت عنه السلطات الأمنية ككبش فداء لجرائمها السياسية فأجبرته على التقاعد؟
وكيف تعامل هذا الضابط المتقاعد مع المجتمع من حوله في ظل هذه المفارقات؟ كل هذه
الأسئلة يجيب عنها هذا الفيلم تاركًا المشاهد يخوض تجربة من التجارب السينمائية
التي قد تترك أثرًا عميقًا بعد انتهاء المشاهدة.
عُرِض الفيلم للجمهور في عام 1988 بعدما تم
إنتاجه عام 1987وهو من تأليف رؤوف توفيق وإخراج محمد خان، وبطولة الفنان الكبير
أحمد زكي والفنانة ميرفت أمين وزيزي مصطفى واشترك في التمثيل علي الغندور وحسن
حسني ونظيم شعراوي وغيرهم من الممثلين. وقامت أسرة الفيلم بإهداء الفيلم "إلى
زمن وصوت عبد الحليم حافظ" وذكروا ذلك في بداية الفيلم مع التتر. فأضافت
الموسيقى التصويرية للفيلم وأغنيات عبد الحليم فخامة إلى هذا العمل الفني العظيم،
ولم تأتي عظمة الفيلم من كون أن النقاد أثنوا عليه ومنهم من قال أنه من أعظم 10
أفلام أنتجتهم السينما المصرية، كما قال عنه الناقد "محمد سيد عبد
الرحيم" إنه "توثيق لسيكولوجية المستبد ورحلة صعوده وهبوطه"، فلم
يكن رأي النقاد فحسب هو الدليل على نجاح الفيلم، فقد تفاعل الجمهور معه وكان عليه
إقبالا كبيراً في شباك التذاكر.
"بيقولولي اكسلنت يا ولاد الكلب"
تلك كانت جملة أحمد زكي للوفد المصري المشارك في مهرجان موسكو السينمائي، قالها
بجنون وسعادة لا يوصفان متباهيًا بتلك الكلمات أمام كل من يعرف في المؤتمر، ويحكي
هذه الواقعة عماد أديب في برنامجه "بهدوء" فيذكر أنه عندما كان مع أحمد
زكي في المهرجان قابلا الفنان العالمي "روبرت دي نيرو" وقد كان عضو لجنة
التحكيم في المهرجان آنذاك، ووجه لهم الشكر على مستوى الفيلم وجودته مؤكدًا لهم أن
الفيلم رائع، وعند ذلك سأل الفنان أحمد زكي عماد أديب قائلاً "هو بيقول
إيه؟" فأجابه عماد أديب "بيقولك هو شاف الفيلم وعجبه" عندها تدخل
دي نيرو قائلاً لعماد أديب "الفيلم جميل لكن قوله أنه ممثل عظيم" فترجم
عماد أديب بدوره تلك الكلمات لأحمد زكي وقال له "بيقولك أنت ممثل عظيم"
وعندها لم يستوعب أحمد زكي الكلام وبدا متشككاً فيما قيل له من ترجمة، فاتجه بدوره
إلى دي نيرو مستفهماً فأشار عليه دين يرو بإصبعه وقال له you are
Excellent Actor""
أي أنت ممثل ممتاز، وحينها تهلل وجه أحمد زكي غير مصدقًا وراح يتساءل قائلاً
"اكسلنت يعني ممتاز صح" ثم تهللت أسارير وجهه أكثر فأكثر وأخذ يدور على
كل من كان معه مردداً "بيقولي اكسلنت يا ولاد الكلب".
وقد
عَبَر أحمد زكي خلال هذا الفيلم من بوابة تقمص الشخصية ليدخل في مستوى آخر وهو
التوحد مع الشخصية التي يقدمها، ولكن لكل مرحلة من الأداء والعظمة آثارها الجانبية
وضريبتها الباهظة، إذ أن الفنان أحمد زكي بعد الفيلم أصبح مريض بالقولون العصبي،
وذلك إثر تعرضه للضغط العصبي في دور شخصية العقيد هشام الذي يشعر بالمهانة بعدما
خرج على المعاش ويعرض عليه جاره أن يعمل عنده في المزرعة، ويأبى وقتها صوته أن
يخرج في تشنج عصبي وانفعال حقيقي من الشخصية دفع ثمنها أحمد زكي طوال فترة علاجه
من تقمص الشخصية والتوحد معها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق