كتبت - حنان فوزي الميهي
ومن متع الحياة جلوسك صافيًا خالي البال، وحولك تغني الطبيعة أجمل ألحانها، فقد تُنشِد من حولك نسمات الهواء لتعطي ألحانًا بديعة في جوٍ صيفيٍ حارق، وقد يتراقص حولك اللون الاخضر ليعطي أبهى لمسة قد تراها عيناك، ويا لروعة الألحان إن كانت السيمفونية لبحرٍ لك فيه ذكريات ، حينها سترى بأم عينك الذكريات تعلوا وتهبط مع أمواج البحر لتجعلك في حالة من النشوة والاندماج مع جمال الطبيعة الأخاذ.
وكما للطبيعة في جو النهار ألحانها، ففي الليل ومع القمر تزداد الألحان سطوعًا، ففي ذلك المتفرد المضيء وسط السماء لمتعة للناظرين فضلاً عن سحراً للمتأملين، وللنجوم في جو السماء أعظم لحن للسماء تقدمه لعاشقين الطبيعة في المساء.
ومع تلك الألحان فللشهب موسيقى أخرى، انها عزفٌ من نوع خاص، إذ لسرعان ما تظهر وتختفي لِتُحمَل بالأمنيات، وتخلق جوًا رومانسيًا من نوعٍ خاص، وبهجة بذاك الظاهر المختفي السريع.
وإذ يلعن اللاعنون أغسطس على طول نهاره المقترن بشدة حره، وينتظرون انتهاءه بفارغ الصبر، ومن ناحيته يهديهم أغسطس سيمفونية عذبة في إحدى لياليه “زخة البرشاويات” ففي ليلة من ليالي أغسطس القصيرة تدخل الأرض في حيز كوكبة البرشاويات، وتصطدم بقايا المذنب بالغلاف الجوي للأرض لتحترق بعض الشهب قبل وصولها الأرض، وتخترق الأخرى غلافنا الجوي بسرعة 70 كيلومتر في الثانية، لتسقط في الصحاري بعيدًا عن التجمعات البشرية، وذلك من رحمة الخالق بعباده، وبين سقوطها واحتراقها تعطينا وخزة روحية تشعرنا بسعادة وتحمل معها أمنية آملين أن تتحقق يومًا ما.
قال القدماء في أساطيرهم أن النجوم والكواكب الموجودة في السماء ما هي إلا أرواحًا للعظماء، توهجت وارتفعت لتعلن وجودها للكل، وألفوا لكل جرم سماوي حكاية، وربطوا بين القصص ليكونوا الأساطير، فكوكبة “البرشاويات” تُنسب إلى “برشاوس” ذلك العظيم الذي أنقذ “أندروميدا” من الوحش القاتل “قيطس” في ملحمةٍ أسطورية.
ففي مساء الخميس 11 أغسطس وعندما يكسوا الظلام السماء وخلال عبور الارض في كوكبة “البرشاويات” تتساقط الشهب بغزارة، ويستطيع أي شخص الخروج لأي مكان مفتوح لينظر بعينيه دون الحاجة إلى وجود تلسكوب، وينصت بروحه لذلك الصرح العملاق المزين بتلك الماسات في شكل نجوم تتساقط منه الشهب لتشكل لألئ هابطة من العدم بشكلٍ يسمعه القلب فيحدث مزيجا روحيًا قلما تشعر به.
ولن يصل الإنسان لتلك الحالة إلا إذا كان متأهبا للتجرد الروحي، تجرد من الهموم، وتجرد من تبعات الدنيا المعتادة، ليعيش تلك السيمفونية الفريدة بروحٍ صافية، فلتكن رقصة الروح مع الطبيعة بكافة أشكالها.
لا تنتظر أن يسعدك أحدهم ليجعلك تشدوا وتطير فرحًا، بل اسعد أنت نفسك واشدوا مع الطبيعة، ادخل في صفاء الطبيعة الغناء لتمتزج مع غناءها العذب. كن جزءًا من كلك، ولا تنتظر جزءًا آخر ليسعدك. اخرج واسمع لأغنيات البحر، ولألحان النسيم، ولرقصات الأشجار وهي تتمايل مبتهجة في راحة بال، وكذلك لسقوط الهب في الليل الصافي.
*تم النشر في: نداء "البرشاويات" لقضاء ساعات مع الطبيعة - الأجندة