السبت، 5 نوفمبر 2016

"الحاج بلبل" وسيطا بين تحف الباشاوات وعشاق الأنتيكات


كتبت: حنان فوزي الميهي

"جدي اشتراه بـ 500 جنية" هكذا بدأ شريف بلبل مدير محل الحاج بلبل للأنتيكات حديثه عن عراقة المكان، فعند وقوفك أمام هذا المحل تجد على يمينك حارة الصالحية وخلفك خان الخليلي وعلى يسارك مُفترق طرق لشارع المعز وشارع الصاغة، فحولك من كل الاتجاهات تاريخٌ نابض وأمامك يكمن تاريخٌ للبيع.

بدأ هذا المكان منذ ما يزيد عن الخمسين عام، فبعد أن اشتراه الحاج بلبل من أحد اليهود قبل أن يسافر مغادرًا البلاد بمبلغ 500 جنيه؛ بدأ ببيع النحاسيات والفضيات المُصنعة يدويًا، ثم اتجه النشاط الى التجارة في الانتيكات والتحف الأصلية التي تبلغ أعمارها في بعض الأحيان مئات السنوات.

وتتنوع القطع الأثرية التي توجد في المحل؛ من مقتنيات القصور التي قرر أصحابها التخلي عنها، وبعض القطع التي تُعرض في مزادات علنية بأوراق رسمية، وكذلك المقتنيات القديمة التي لم يعد لها مثيلاً الآن، والتي قد يراها البعض ليست ذا قيمة ولكن لهذه القطع من يأتي من جميع أنحاء العالم بحثًا عنها والحرص على اقتناءها بمبالغ باهظة الثمن.

ويلفت الانتباه كثرة القطع المعروضة وتنوعها ما بين إبريق المياه الذي كان مستخدمًا لغسيل الأيدي، وأُطُر لوضع الصور، وبلاليص العسل، وصُلبان الكنائس، ومباخر المساجد، ودوارق المياه، وأكواب وجِرار وأدوات المطبخ عتيقة النشأة، وفوانيس الاضاءة، أيضا علب المجوهرات من الفضة المرصعة بالأحجار الكريمة، بالإضافة إلى التحف المصنوعة بشكل فريد الطراز وكانت معروضة في قصور الباشاوات.


ففي المحل الذي لا يتجاوز الأمتار الثلاثة عرضًا ومثلهم طولاً تجد العديد من القطع المختلفة والتي تظهر كمزيج فريد التكوين، إذ تجد الاواني النحاسية التي يقنعك البائع المثقف بشرائها بثمنٍ باهظ رغم منظرها الرث وهيئتها القديمة فضلاً عن عدم الحاجة إليها، ففي حكاياته الشيقة عن كيف كانت هذه الأواني هي كل جهاز العروس منذ ما يزيد عن قرن ونصف من الزمن ما يجعل المشتري مُستضئلاً عدة آلاف جنية في مقابل اقتنائها كزينة في بيتٍ فخم.


وبمجرد معرفة المشتري أن هذه الملاعق والسكاكين كانت في قصرٍ فرنسي ويأكل بها الباشاوات طعامهم؛ يجعله يدفع فيها ثمنًا لا يتناسب مع شكلها لأول وهلة، وفي إطار صور قديم كانت صورة لأحد أميرات الأسرة العلوية تعود لأكثر من مائة عام، لذا ففي وضع أحدهم صورة له أو لأحد أفراد أسرته شرف يساوي مبالغ ليست بقليلة، هكذا يقنعهم البائع المثقف "شريف" بشراء تلك الأشياء القديمة، ففي كل قطعة في هذا المكان تكمن قصة، وفي كل قصة يكمن شغف اقتناء تلك القطع من المهتمين بتجميع هذه الأشياء القديمة.



وأثناء استرسال شريف في حديثه عن كيفية حصوله على تلك المقتنيات وكيف يُفرق بين الأصلي منها والمُقلد، يستوقفنا حديثه عن المُشتريين، إذ قال لمصر الناس بالنص: "أنا ببيع لمصريين وأمريكان وانجليز ومن الخليج وأوكرانيين وجنسيات أخرى لكن عمري ما أبيع لحد صيني" ووصف إصراره على عدم البيع للصينيين؛ أنهم يقومون بتقليد الأنتيكات وبثها في الأسواق بشكل تقني عالي مما يقلل من نُدرة هذه القطع ويضيع بهاءها.

سلطانية عمرها 150 عام
إبريق مُرصع بالذهب

وفي شكل آخر من كيفية الاستفادة من القطع الموجودة في المحل قال شريف لمصر الناس أن بعض مُنتجي السينما يستعينون بإيجار الأنتيكات الموجودة في المحل لتصوير الأفلام والمسلسلات. وهذه الوسيلة الأخيرة تعد الأكثر رواجًا الآن خاصةً بعد الأحداث الاقتصادية التي تشهدها البلاد من ركود سياحي وتجاري كبير، كان له بالغ الأثر على تجارة كتجارة الأنتيكات والتحف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق