السبت، 5 نوفمبر 2016

رسائل يسرا مارديني

كتبت - حنان فوزي الميهي

شغفًا غذته العائلة لتحصد ثمرته أثناء الهروب من المجهول، تلك هي “يسرا مرديني” ذات الثمانية عشر ربيعًا، عاشقة السباحة التي تركت وراءها بلدٍ مُحترق لتنجوا هي وعائلتها من مجهول الأوضاع السورية، لتواجه ذاك البحر الخِضم والذي أبى ألا يختبر قوتها على الصمود؛ فتعطل المركب الذي تحتمي فيه العائلة بعد خمس عشرة دقيقة من بداية رحلة الهروب من تركيا الى اليونان.

قفزت يسرا الى البحر التي لطالما قالت عنه “انا بنسى كل شي واتركه وراي لما بنزل المي” لتتكاتف هي واختها وصديقتها كي يدفعن المركب بمن فيه إلى الشاطئ ولكنها في تلك المرة لم تنسى ما تركته خلفها، بل كان هو الدافع الذي يدفعها لدفع ذلك القارب ومن فيه، وقد حصد من في القارب ثمرة اهتمامهم بشغف ابنتهم التي علموها السباحة منذ نعومة أظافرها، وكانت الرسالة التي أراد الأهل وقتها أن يصرخوا بها في آذان كل أبٍ وأم، ليقولوا لهم اتبعوا خطوات أولادكم وكونوا رعاة شغفهم فسيكون ذاك الشغف يومًا هو ملاذكم الأخير.

وصلت عائلة مرديني الى ألمانيا بعد رحلاتٍ شاقة بين بر وبحر، وكما قال الكاتب البرازيلي “باولو كويلو” في روايته “الخيميائي”الأكثر مبيعًا حول العالم: “لكلٍ منا أسطورته الشخصية، والتي يساعدنا الكون بأثره كي نصل إليها” ففي رحلة الكون لمساعدة يسرا كي تصل إلى هدفها قابلها مترجم مصري ليعرف أنها عاشقة للسباحة وأنها والبحر بمنزلة الأصدقاء الذي يتحدى كل منهم الآخر وكان هذا المصري الشهم _كعادة المصريين_ هو حلقة الوصل بين يسرا وحلمها، إذ أنه قام بالتقديم لها في أولمبياد 2016 والتي تقام في عاصمة البرازيل ريودي جانيرو.

“لا يملكون مأوى أو فريقًا أو علمًا أو نشيدًا وطنيًا” هكذا وصفهم  “توماس باخ” رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، الذي وصف إعلان فريقًا للاجئين بأنه إعلان تاريخي، حيث يضم الفريق خمسة رياضيين من جنوب السودان واثنين من سوريا واثنين من الكونغو الديمقراطية وواحدا من اثيوبيا. فبهذا الإعلان التاريخي يساعد الكون يسرا مرةً أخرى لتصل إلى غايتها وتحقق أسطورتها وتتأهل للأولمبياد دون مأوى أو فريقًا أو علمًا أو نشيدًا وطنيًا، ولكنها تحمل في أعماقها مأواها وفريقها وعلمها ونشيدها الوطني.

يسرا مرديني هي رسالة لكل من يعاني ظرفًا طارئًا أن استمر، لكل من يقف في وجه شغف أولاده أن كونوا لهم عونًا لربما كانت هذه الهواية أو ذاك الشغف هو آخر ما تبقى لكم من نورٍ وقت الظلام، لكل من وقفت العوائق أمامه أن أنظر لتلك العوائق بعينٍ آخرى لربما كانت هذه العوائق هي جسرًا تعبره إلى حلمك فاصمد….





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق