كتبت: حنان فوزي الميهي
تمر كل الأيام بحلوها ومرها، ولا يتبقى منها سوى الذكرى والأثر، والذكريات تُنسى بهلاك البشر، وما يتبقى في النهاية هو الأثر، فإذا ما حذفنا يومًا زال أثره، وبعض التواريخ إذا حذفناها بآثارها قد لا تُحدِثُ فرقًا جليًا في ذاكرة الزمن ومجريات الحاضر، إلا أن لبعض الأيام حضورا قويا، فإذا ما حذفناها وحذفنا أثرها سيتغير وجه التاريخ.
ويعد يوم 2 يونيو من تلك الأيام المشهودة، فما شكل العالم اليوم إذا ما حذفنا هذا اليوم وآثاره من التقويم الإنساني؟ّ! إليك الإجابة:
إذا ما ركبنا سويًا آلة الزمن عابرين على السنوات والأيام والشهور وتوقفت بنا آلة الزمن عشوائيًا عند 1875 لنحذف آثار اليوم الثاني من يونيو، لحذفنا أهم يوم في حياة المخترع " ألكسندر جراهام بيل".
ففي هذا اليوم تحديدًا توصل لاختراعه الأكثر شعبية الآن على الإطلاق "الهاتف" وما إن أتينا لحاضرنا لوجدنا أن الهاتف ليس موجودًا، وعليه لن نشاهد أبدًا ساعي البريد يوصل رسالة من محمود "طائر الليل الحزين" إلى سعاد "أنا أصلًا بنت مشكلة" ليقول فيها "هاي ممكن نتعرف؟".
ولكن في اليوم فائض وقتي كبير لينتج العالم ويُبدع بدلًا من "الحديث في الهاتف" ولما كانت هناك إعلانات لشركات الهواتف النقالة لتقطع المسلسلات في رمضان أو تطلب منهم التبرع بإرسال رسائل نصية، فضلًا عن اختفاء كل تطبيقات التواصل الاجتماعي.
احدى عشرة سنة، نتوقف بعدها عن عمد، لنحذف من التاريخ الثاني من يونيو لعام 1896، وقت أن قرر هذا العالم الفذ "جولييلمو ماركوني" أن يُعلن عن اختراعه الذي غير حياة البشر وهو "الراديو" ويتسلم براءة اختراع الراديو، هنا نحذف هذا الآثر ونكتفي بجعل ماركوني يحتفظ بالراديو لنفسه فقط ليستمع هو وحده لأسامة منير.
ورغم أن هذا كان سيحرمنا من إذاعة القرآن الكريم، وجمال راديو إف إم فضلًا عن اختفاء كل الأغاني التراثية وسقوط وظيفة "مذيع راديو" وكذلك عدم إمكانية اختراع التليفزيون "الذي جاء مكملًا لفكرة الراديو"، إلا أننا لم نكن لنضطر اضطرارًا أن نجتمع على الإفطار في رمضان كل يوم لنشاهد "رامز جلال" يعذب زملاءه في برامجه المعتادة وهم يسبون ويلعنون وسط ضحكات سيكوباتية متلذذة بعذابهم، ثم نجلس بعدها ناقدين رامز ونحن شركاء له في جريمته البشعة.
والآن طال اليوم أكثر فأكثر، فلم يعد هناك هواتف ولا راديو أو تليفزيون، إذا فلنترك القرن التاسع عشر وننطلق إلى القرن العشرين، فلنحذف 2 يونيو لعام 1932، بكل احتفالاته الشعبية التي خلفها افتتاح الملك فؤاد أول مطار مصري "مطار ألماظة" الذي أصبح الآن قاعدة عسكرية شرق القاهرة، عندها لم يكن لمصر أن تمتلك مطارًا، ولظل الإنجليز متحكمين في النقل الجوي، ولصعب الأمر على المصريين عند خروجهم من مصر، ولقرر المصريون ألا يستغنوا عن الإنجليز أبد الدهر، ولكانت إلى اليوم مصر جزءا من المملكة المتحدة، وعملتها اليورو وتتبع الاتحاد الأوروبي.
1946 هذا العام خصيصًا لابد أن يحذف منه الأحداث الواردة في الثاني من الشهر السادس، إذ أنه تم إلغاء الملكية في إيطاليا، وإعلان قيام الجمهورية الإيطالية، ما دفع ولي العهد الإيطالي "الأمير إيمانويل فيلبيرتو سافوي" إلى بيع "مكرونة" على عربة متنقلة في شوارع أمريكا، ليسمي مشروعه "أمير فينيسيا" ويبيع الوجبة بـ15 دولارا.
وفي عام 1949 إذا حُذِف اليوم المنشود لما تغير اسم "شرق الأردن" ليصبح "المملكة الأردنية الهاشمية" اسمًا رسميًا للأردن، ولكانت غرب الأردن ليست تحت حكم المملكة الهاشمية، ولافتقد الجميع في غرب الأردن إطلالة "الملكة رانيا" الآن، مما يدفعهم للقيام بثوراتٍ عدة داعين إلى الانضمام لشرق الأردن، ولحلت الفوضى لتنضم الأردن إلى سوريا والعراق وليبيا وغيرهم من القطيع العربي المشتت.
وبحذف أحداث 2 يونيو 1966 لن تهبط مركبة الفضاء الأمريكية سيرفيور 1 على سطح القمر، وبهذا يُحذف إنجاز أمريكي، "فكفاهم إنجازات فضائية، وليتركوا لنا المجال قليلًاّ!، اما عن 1989 فبحذفنا 2 يونيو لما رُفِع العلم المصري فوق مقر جامعة الدول العربية في تونس من جديد، بعد فترة من المقاطعة العربية لمصر على خلفية الصلح المصري الإسرائيلي، ولكانت مصر حتى الآن لا تحضر جلسات جامعة الدول العربية أو تستضيفها.
وبالتالي ما كانت مصر لتخسر تكاليف تجهيز القمم العربية التي "لا تحل ولا تربط" ولكانت شجبت ونددت الجامعة العربية كل الأحداث التي تحدث في العالم العربي والإسلامي وحدها دون مصر، وبالطبع كانت مصر ستشجب وتندد وحدها، فالكلٌ يُندد على "بلاوينا" ولا حراك.
أما عن آخر عقدين فلن نضطر إلى أن نستهلك وقودًا في السفر عبر الزمن ونحذف منهما الأحداث، فهي قد مُحيت وحدها، ففي 2 يونيو 2012 حُكم بالسجن المؤبد على "حبيب العادلي" وزير الداخلية إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير، و"محمد حسني مبارك" الرئيس الأسبق، وها قد مُحي اليوم بأحداثه.
وفي 2014 نستطيع بكل أريحية أن نمحي أحداث هذا اليوم، وذلك حفاظًا على سلامة الشعوب العربية من "الاستفزاز" إذ لا جديد، ونحن دومًا اعتدنا على كل جديد، فمثلًا يعد خبر تنازل ملك إسبانيا "خوان كارلوس الأول" عن الحكم لابنه بعد 38 عامًا من الحكم في هذا اليوم، والإعلان عن عملية التسليم بعد موافقة البرلمان، خبرًا مستفزًا للكثير من الشعوب العربية، والأدهى أن الأمر تم بعد موافقة البرلمان، فالملك استأذن البرلمان، والبرلمان قام بدوره المنوط به.
أما عن 2015 فليُمحى هذا اليوم لتخلو الأيام التي تلته من اللغط والمهاترات وكثرة الكلام عبر أفواه سكان العالم كافة عن أن استقالة "جوزيف بلاتر" من رئاسة الـ«فيفا»، بعد أيام من فوزه بولاية جديدة تنافس عليها مع الأمير على بن الحسين، ولكن مهلًا، لن يكون هناك هاتف لنُبلغ به هذا الخبر، أو مذياع ينشر الخبر، لن تهتم الجماهير المصرية لكون منافسيه كانوا عربًا ونحن مقاطعون لكل البلاد العربية –على اعتبار حذف أحداث الثاني من يونيو عبر التاريخ- وكذلك لم يكن لخبر إلتقاط إشارات الصندوق الأسود للطائرة المصرية المنكوبة في 2 يونيو 2016 أي وجود، فليس عندنا طيران مصري، أو أجهزة راديو ترسل أو تستقبل إشارات، ولكان العالم أهدأ كثيرًا مما عليه اليوم.
المقال متاح في الرابط التالي:
http://www.vetogate.com/2734501